فصل: تفسير الآيات (87- 88):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (87- 88):

{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}.
هذه القصة مذكورة هاهنا وفي سورة الصافات وفي سورة ن وذلك أن يونس بن مَتَّى، عليه السلام، بعثه الله إلى أهل قرية نينوى، وهي قرية من أرض الموصل، فدعاهم إلى الله، فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم، فخرج من بين أظهرهم مغاضبا لهم، ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث. فلما تحققوا منه ذلك، وعلموا أن النبي لا يكذب، خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم ومواشيهم، وفرقوا بين الأمهات وأولادها، ثم تضرعوا إلى الله عز وجل، وجأروا إليه، ورغت الإبل وفُضْلانها، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنم وحُمْلانها، فرفع الله عنهم العذاب، قال الله تعالى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: 98].
وأما يونس، عليه السلام، فإنه ذهب فركب مع قوم في سفينة فَلَجَّجت بهم، وخافوا أن يغرقوا. فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه، فوقعت القرعة على يونس، فأبوا أن يلقوه، ثم أعادوا القرعة فوقعت عليه أيضًا، فأبوا، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضًا، قال الله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141]، أي: وقعت عليه القرعة، فقام يونس، عليه السلام، وتجرد من ثيابه، ثم ألقى نفسه في البحر، وقد أرسل الله، سبحانه وتعالى، من البحر الأخضر- فيما قاله ابن مسعود- حوتًا يشق البحار، حتى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من السفينة، فأوحى الله إلى ذلك الحوت ألا تأكل له لحمًا، ولا تهشم له عظما؛ فإن يونس ليس لك رزقا، وإنما بطنك له يكون سجنًا.
وقوله: {وَذَا النُّونِ} يعني: الحوت، صحت الإضافة إليه بهذه النسبة.
وقوله: {إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا}: قال الضحاك: لقومه، {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي: نضيق عليه في بطن الحوت. يُروَى نحو هذا عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وغيرهم، واختاره ابن جرير، واستشهد عليه بقوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7].
وقال عطية العَوفي: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}، أي: نقضي عليه، كأنه جعل ذلك بمعنى التقدير، فإن العرب تقول: قدَر وقَدّر بمعنى واحد، وقال الشاعر:
فَلا عَائد ذَاكَ الزّمَانُ الذي مَضَى ** تباركت ما تَقْدرْ يَكُنْ فَلَكَ الأمْرُ

ومنه قوله تعالى: {فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر: 12]، أي: قدر.
وقوله: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} قال ابن مسعود: ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل.
وكذا روي عن ابن عباس، وعمرو بن ميمون، وسعيد بن جُبَير، ومحمد بن كعب، والضحاك، والحسن، وقتادة.
وقال سالم بن أبي الجعد: ظلمةُ حُوت في بطن حوت، في ظلمة البحر.
قال ابن مسعود، وابنُ عباس وغيرهما: وذلك أنه ذهب به الحوتُ في البحار يَشُقُّها، حتى انتهى به إلى قرار البحر، فسمع يونسُ تسبيح الحصى في قراره، فعند ذلك وهنالكَ قال: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ}
وقال عوف: لما صار يونس في بطن الحوت، ظن أنه قد مات، ثم حرك رجليه فلما تحركت سجد مكانه، ثم نادى: يا رب، اتخذت لك مسجدًا في موضع ما اتخذه أحد.
وقال سعيد بن أبي الحسن البصري: مكث في بطن الحوت أربعين يومًا. رواهما ابن جبير.
وقال محمد بن إسحاق بن يَسَار، عمن حدثه، عن عبد الله بن رافع- مولى أم سلمة- سمعتُ أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما أراد الله حَبْسَ يونس في بطن الحوت، أوحى الله إلى الحوت أن خذه، ولا تخدش لحما ولا تكسر عظما، فلما انتهى به إلى أسفل البحر، سمع يونس حسًا، فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله إليه، وهو في بطن الحوت: إن هذا تسبيح دواب البحر. قال: فَسَبَّح وهو في بطن الحوت، فسمع الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا، إنا نسمع صوتًا ضعيفًا بأرض غريبة قال: ذلك عبدي يونس، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر. قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عملٌ صالح؟. قال: نعم». قال: «فشفعوا له عند ذلك، فأمر الحوت فقذفه في الساحل، كما قال الله عز وجل: {وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات: 145]».
ورواه ابن جرير، ورواه البزار في مسنده، من طريق محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، فذكره بنحوه، ثم قال: لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وروى ابن عبد الحق من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سَلمَة، عن علي مرفوعًا: لا ينبغي لعبد أن يقول: «أنا خير من يونس بن متى»؛ سبح لله في الظلمات.
وقد روي هذا الحديث بدون هذه الزيادة، من حديث ابن عباس، وابن مسعود، وعبد الله بن جعفر، وسيأتي أسانيدها في سورة ن.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن عبد الرحمن بن أخي ابن وهب، حدثنا عمي: حدثني أبو صخر: أن يزيد الرقاشي حدثه قال: سمعت أنس بن مالك- ولا أعلم إلا أن أنسا يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- أن يونس النبي، عليه السلام، حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت، قال: «اللهم، لا إله إلا أنت، سبحانك، إني كنت من الظالمين». فأقبلت هذه الدعوة تحف بالعرش، فقالت الملائكة: يا رب، صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة؟ فقال: أما تعرفون ذاك؟ قالوا: لا يا رب، ومن هو؟ قال: عبدي يونس. قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يُرفَع له عَمَلٌ متقبل، ودعوة مجابة؟. قال: نعم. قالوا: يا رب، أَوَلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيَه من البلاء؟ قال: بلى. فأمر الحوت فطرحه في العراء.
وقوله: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} أي: أخرجناه من بطن الحوت، وتلك الظلمات، {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} أي: إذا كانوا في الشدائد ودَعَونا منيبين إلينا، ولاسيما إذا دعوا بهذا الدعاء في حال البلاء، فقد جاء الترغيب في الدعاء بها عن سيد الأنبياء، قال الإمام أحمد:
حدثنا إسماعيل بن عُمَر، حدثنا يونس بن أبي إسحاق الهمداني، حدثنا إبراهيم بن محمد ابن سعد، حدثني والدي محمد عن أبيه سعد،- وهو ابن أبي وقاص- قال: مررت بعثمان بن عفان، رضي الله عنه، في المسجد، فسلمت عليه، فملأ عينيه مني ثم لم يَردُدْ عليّ السلام، فأتيت عمر بن الخطاب فقلت: يا أمير المؤمنين، هل حدث في الإسلام شيء؟ مرتين، قال: لا وما ذاك؟ قلت: لا إلا أني مررتُ بعثمان آنفا في المسجد، فسلمت عليه، فملأ عينيه مني، ثم لم يَرْدُد علي السلام. قال: فأرسل عمر إلى عثمان فدعاه، فقال: ما منعك ألا تكون رَدَدت على أخيك السلام؟ قال: ما فعلتُ. قال سعد: قلتُ: بلى حتى حلفَ وحلفت، قال: ثم إن عثمان ذكرَ فقال: بلى، وأستغفر الله وأتوب إليه، إنك مررت بي آنفا وأنا أحدّث نفسي بكلمة سمعتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا والله ما ذكرتها قط إلا تَغْشَى بصري وقلبي غشَاوة. قال سعد: فأنا أنبئك بها، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لنا أول دعوة ثم جاء أعرابي فشغله، حتى قَام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته، فلما أشفقت أن يسبقني إلى منزله ضربت بقدمي الأرض، فالتفت إليّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من هذا؟ أبو إسحاق؟» قال: قلت: نعم، يا رسول الله. قال: «فمه؟» قلت: لا والله، إلا أنك ذكرتَ لنا أول دعوة، ثم جاء هذا الأعرابي فشغلك. قال: «نعم، دعوةُ ذي النون، إذ هو في بطن الحوت: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له».
ورواه الترمذي، والنسائي في اليوم والليلة، من حديث إبراهيم بن محمد بن سعد، عن أبيه، عن سعد، به.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن كَثِير بن زيد، عن المطلب بن حنطب- قال أبو خالد: أحسبه عن مصعب، يعني: ابن سعد- عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا بدعاء يونس، استُجِيب له». قال أبو سعيد: يريد به {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}.
وقال ابن جرير: حدثني عمران بن بَكَّار الكَلاعي، حدثنا يحيى بن صالح، حدثنا أبو يحيى بن عبد الرحمن، حدثني بِشْر بن منصور، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب قال: سمعت سعد بن مالك- وهو ابن أبي وقاص- يقول: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اسم الله الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئِل به أعطى، دعوةُ يونس بن متى». قال: قلت: يا رسول الله، هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال: «هي ليونس بن متى خاصة وللمؤمنين عامة، إذا دعوا بها، ألم تسمع قول الله عز وجل: {: فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}. فهو شرط من الله لمن دعاه به».
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن أبي سُرَيج، حدثنا داود بن المُحَبَّر بن قَحْذَم المقدسي، عن كثير بن معبد قال: سألت الحسن، قلت: يا أبا سعيد، اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى؟ قال: ابنَ أخي، أما تقرأ القرآن؟ قول الله: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا}
إلى قوله: {الْمُؤْمِنِينَ}، ابن أخي، هذا اسم الله الأعظم، الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى.

.تفسير الآيات (89- 90):

{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)}.
يخبر تعالى عن عبده زكريا، حين طلب أن يَهبَه الله ولدا، يكون من بعده نبيًا. وقد تقدمت القصة مبسوطة في أول سورة مريم وفي سورة آل عمران أيضا، وهاهنا أخصر منهما؛ {إِذْ نَادَى رَبَّهُ} أي: خفية عن قومه: {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا} أي: لا ولدَ لي ولا وارثَ يقوم بعدي في الناس، {وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} دعاء وثناء مناسب للمسألة.
قال الله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} أي: امرأته.
قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير: كانت عاقرا لا تلد، فولدت.
وقال عبد الرحمن بن مهدي، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء: كان في لسانها طول فأصلحها الله.
وفي رواية: كان في خَلْقها شيء فأصلحها الله.
وهكذا قال محمد بن كعب، والسدّي. والأظهر من السياق الأول.
وقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} أي: في عمل القُرُبات وفعل الطاعات، {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} قال الثوري: {رَغَبًا} فيما عندنا، {وَرَهَبًا} مما عندنا، {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أي مصدقين بما أنزل الله.
وقال مجاهد: مؤمنين حقا.
وقال أبو العالية: خائفين.
وقال أبو سِنَان: الخشوع هو الخوف اللازم للقلب، لا يفارقه أبدًا.
وعن مجاهد أيضًا {خَاشِعِينَ} أي: متواضعين.
وقال الحسن، وقتادة، والضحاك: {خَاشِعِينَ} أي: متذللين لله عز وجل. وكل هذه الأقوال متقاربة.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطَّنَافِسيّ، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله القرشي، عن عبد الله بن حكيم قال: خطبنا أبو بكر، رضي الله عنه، ثم قال: أما بعد، فإني أوصيكم بتقوى الله، وتُثنُوا عليه بما هو له أهل، وتخلطوا الرغبة بالرهبة، وتجمعوا الإلحاف بالمسألة، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته، فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}.

.تفسير الآية رقم (91):

{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)}.
هكذا قَرَن تعالى قصة مريم وابنها عيسى، عليه السلام، بقصة زكريا وابنه يحيى، عليهما السلام، فيذكر أولا قصة زكريا، ثم يتبعها بقصة مريم؛ لأن تلك مُوَطّئة لهذه، فإنها إيجاد ولد من شيخ كبير قد طَعَن في السن، ومن امرأة عجوز عاقر لم تكن تلد في حال شبابها، ثم يذكر قصة مريم وهي أعجب، فإنها إيجاد ولد من أنثى بلا ذكر. هكذا وقع في سورة آل عمران، وفي سورة مريم، وهاهنا ذكر قصة زكريا، ثم أتبعها بقصة مريم، فقوله: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} يعني: مريم، عليها السلام، كما قال في سورة التحريم: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: 12].
وقوله: {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} أي: دلالة على أن الله على كل شيء قدير، وأنه يخلق ما يشاء، و{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]. وهذا كقوله: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} [مريم: 21].
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عَمْرو بن علي، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مُخَلَّد عن شَبِيب- يعني ابن بشر- عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: {لِلْعَالَمِينَ} قال: العالمين: الجن والإنس.